لم يعد مفهوم الموضة عالميا يعني مجرد ما نرتديه من الملابس من الصباح للمساء بمختلف المناسبات و الأجواء، نظر المفكرين و الباحثين بل و العلماء و الفنانين الى ما نرتديه نظرة غير نمطية و غير تقليدية لدلالة الموضة و ما تعنيه. أتقدم عبر هذه السلسة من طرح بعض من النماذج الابداعية المغايرة للنظرة التقليدية للموضة كما نعرفها نحن و ذلك من خلال سلسلة مقالات متتابعة، أتمنى أن تنال رضا القارئ و اهتمامه و أن تعمل على توسيع مداركه من خلال رؤية فكر الآخر و النفاذ اليها.
الأسباني مانيل توريس ـ Manel Torres
بدأ دراسة الموضة بأحد المعاهد الفنية ببرشلونة عام 1994، و قام بتصميم مجموعة تحت عنوان "الحياة عام 2020" "Life in The Year 2020" لانجاز هذا المشروع تحدث مع علماء في الاجتماع ليكتشف كيف ستكون الحياة في المستقبل، كما أجرى لقاءات مع بعض أشهر المتنبئين العالميين ليسمع توقعاتهم عن الألفية الجديدة، و صاغ هذه الأفكار في تصميماته. بعد ذلك شرع في الاعداد لدراسة الماجستير في RCA الكلية الملكية للفنون بلندن عام 1995، لم يتضائل شغفه للمستقبل على النقيض كان دائما يتسائل عن مستقبل صناعة الموضة، و كان ناقدا لانماط التسارع التي حلت بالحياة العصرية من ثورة معلوماتية و تواصل الا أن الموضة ما زالت تحتاج لكثتير من الاجراءات و يقول "لقد عزمت على ايجاد طريقة لاسراع عمليات تصنيع نماذج الموضة". (Queen, B., 2012)
و لأن الباحثين الجادين من القلة النموذجية التي لا تأخذ الأمور بشكل سطحي، فما حدث عندما دعاه أصدقائه لحضور حفلي زفاف 2016 ببرشلونة أن لاحظ رش العروسين بالخيوط التي تنثرها عبوات الرذاذ، فتسائل "اذا كان من الممكن انتاج الخيوط من علبة رذاذ، اذن لماذا لا يمكن فعل نفس الشيء مع القماش!"، من هنا جاءت فكرة موضوع الدكتوراه التي أعدها أيضا في RCA لندن لاختراع رذاذا او اسبراي للقماش، قام بالاشراف عليه كل من Dr. Susannah Handely و Prof. Paul Luckhem و هذا الأخير تخصصه تكنولوجيا الجسيمات و هي تعني بدراسة الهندسة الكيميائية و الهندسة التكنولوجية معا، و كان هذا الأستاذ بالأخص ذو دور كبير في اختراعه، نصحه البروفيسور بالتركيز على ابتكار التركيبة أولا في شكل سائل أقل تعقيدا ثم الانتقال لمرحلة أعلى و هي تحويل التركيبة الى سائل يمكن وضعه بعلب الرذاذ و رشه في الهواء. (Ross, E., 2015)
لابتكار التركيبة قاموا بفرم أقمشة قديمة، ثم قاموا بخلط الألياف بالبوليمرات، ثم أضيفت المذيبات التي من خواصها سرعة التبخر الفائقة عند الرش و قبل الوصول الى السطح بحيث يتحول السائل مرة أخرى الى صلب متماسك فور وصوله للسطح. عام 2000تمكن توريس من رش طبقة رقيقة على مانيكان بواسطة مسدس رش طلاء السيارات، في ثواني معدودة قام بانتاج قطعة ملابس قابلة للخلع و للغسل و بدون حياكات، بهذا أثبت المصمم مفهومه، جعله واقعا ملموسا. منذ ذلك الحين عمل على تطوير المشروع و تجريب أكثر من خامة، مثلا أضاف الصبغات الملونة بواسطة جسيمات النانو، و في عام 2008 أخرج مشروعه في صورة علب يمكن رشها تحت عنوان (Spray-on Fabric) . أسس كل من مانيل و باول شركة تحت اسم Fabrican لتسويق المنتج الذي يترك الجلد نظيفا مع استخدامه كما أنه يساير أحدث خطوط الموضة.

المصمم يقوم برش الرذاذ على الجسد مكونا القماش اللامنسوج. تصميمات مبتكرة باستخدام الرذاذ.

الأمريكية سوزان لي ـ Suzanne Lee 1970
تعرف سوزان لي في الوسط الاعلامي بأنها المصممة التي تحولت الى ساحرة بيولوجية، لها كتاب بعنوان Fashioning The Future -Tomorrow's Wardrobe حيث ينصب اهتمامها على ملابس المستقبل و ربط الموضة تارة بالتكنولوجيا و تارة بعلم الأحياء. عام 2003 التقت بعالم الخامات David Hepworth مؤسس شركة Cellucomp و التي تقوم بتطوير الخامات المصنعة من مواد غير نفطية قال لها ناصحا و موجها كما تذكر المصممة "بدلا من التفكير في انتاج الياف من مصادر كالقطن و هو نهج زراعي بحت، يمكن البدأ في التفكير في كائنات حية أولية كالبكتريا لانتاج ألياف قابلة للاستخدام".
قامت المصممة لي باجراء تجارب على نمو ما أطلق عليه اسم Kombucha و هي المادة الأساسية التي من خلالها يتكون السيليلوز البكتيري و التي يمكن استخدامها بديلا عن القماش و هو ما ووصفته المصممة لاحقا بالجلد النباتي. بدأا التجربة سويا و بشكل شخصي، لي في منزلها و هيبورث في الجراج الخاص به، بعد عشر سنوات من العمل جاءت ولادة مشروع استديو Biocouture بلندن. بسؤال المصممة عن عيب الخامات التقليدية في صناعة الموضة؟ أجابت بان الأمر لا يتعلق بالخامة في حد ذاتها و لكنها عملية التصميم بأكملها، سلسلة طويلة معقدة لانتاج قطعة ملابس واحدة، كما أن هناك تأثير بيئي ضار تحدثه صناعة الموضة كالأضرار الكيميائية. و تؤكد المصممة أن هدفها الأساسي من المشروع لم يكن ابتكار أحد التطبيقات في مجال الموضة بقدر أن الفكر الأساسي أنصب في التركيز على ايجاد طريقة لتجنب أضرار صناعة الموضة، انها عملية تفكير للنظام بأكمله، و تخيل ما اذا كان هناك طريقا جديدا أكثر كفاءة و استدامة.
تقول المصممة أن المشروع أقرب للعمل في صناعة الغذاء عن الغزل و النسيج، فالمشروع المقترح يعتمد على عملية التخمير بالدرجة الأولى في وجود البكتريا.و تتوقع المصممة أن يشهد المستقبل مزيدا من تطبيقات الـ Biomaterials و الـ Biocouture و اكتشاف العديد من الخامات الحية.

-قد تبدو للوهلة الأولى نصف لتر متعفن من البيرة و لكنها في الحقيقة مواد خام حيوية تستخدم في مشروع الـ Biocouture نمت في وعاء من الشاي الأخضر المضاف اليه بعض السكر الأبيض. عندما تتكون طبقة السيليلوز الميكروبي و تصبح سميكة يتم جمع المادة و تغسل و تجفف، و بعد تبخر الماء تشبه جلد الحيوانات.
-حذاء حيوي نمى في معدل أربعة أسابيع، منتج واحد قام بانتاجه أكثر من كائن فبعض الأجزاء قوية صلبة و الأخرى جمالية رقيقة كما تصفه المصممة سوزان لي.
-جونلة من الـBiocouture نمت الخامة من السيليلوز البكتيري، ثم حصدها ثم تجفيفها ثم صبغها ثم قصها بالليزر و أخيرا حياكتها لتصبح موضة بيئية مستدامة.